تعتبر ("إسرائيل" خطراً حقيقياً يهدد الامة العربية بأكملها) كانت تلك العبارة محور الحديث الذي نشرته "الوسط"- الحياة- في عددها الصادر يوم الاثنين الماضي مع الفني الإسرائيلي السابق موردخاي فعنونو الذي أطلق سراحه في أبريل الماضي بعد أن أنهى عقوبة سجن مدتها 18 عاماً بتهمة الخيانة إثر كشفه لصحيفة "صنداي تايمز" البريطانية تفاصيل عن عمله في مفاعل ديمونة النووي الإسرائيلي. عبارة يجب التوقف عندها خاصة وأن "إسرائيل" وحسب تقديرات أولية تملك ما بين مئة إلى 200 سلاح نووي متنوع ما بين الرؤوس النووية المخصصة للاستخدام في ميدان المعركة وتلك القادرة على إبادة مدن كاملة مما يجعلها واحدة من أخطر القوى النووية في العالم ..
لم يكن سراً أن "إسرائيل" تمتلك برنامجاً نووياً لكن "إسرائيل" تعمدت الإبقاء على الموضوع ضبابياً بلا تأكيدات أو نفي كسلاح لردع ولترهيب جيرانها العرب. لكن عام 1986 كشف فعنونو للعالم أن مفاعل ديمونه طور أكثر من مرة لزيادة قدرته الإنتاجية من مادة البلوتونيوم، وكان المفاعل يستطيع في ذلك الوقت إنتاج 1.2 كيلوجرام من البلوتونيوم أسبوعياً وهو ما يكفي لإنتاج 12 رأساً نووية سنوياً. لذا يؤكد فعنونو لوسائل الإعلام أنه نشر كل ما يملك من معلومات لكنه مقتنع تماماً بأن "إسرائيل" طورت برنامجها خلال الفترة التي قضاها في السجن، مما يعني أن الدول العربية كافة والدول الشرق أوسطية تواجه إرهاباً نووياً قائماً بشكل مستتر.
يعلم الجميع أن "إسرائيل" عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، غير أنها لم توقع معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية. وترفض "إسرائيل" أساساً الكشف عن برنامجها أو الحديث عنه والسماح للوكالة بالقيام بعمليات تفتيش لمنشآتها أو وضعها تحت المراقبة. المحكمة الإسرائيلية العليا رفضت يوم الاثنين الماضي رفع الحظر المفروض على سفر فعنونو معتبرة أنه لازال يشكل خطراً أمنياً وقد يكون لديه المزيد من المعلومات وفرضت قيوداً على اتصالاته بالأجانب. لكن كل هذه الإجراءات لم تمنعه من مواصلة الضغط باتجاه الحديث عن البرنامج النووي الإسرائيلي مؤكداً في حديثه لـ"الوسط" أن "إسرائيل" "تخشى أن تكون حريتي المطلقة بتنقلي ولقاء من أشاء ومتى وكيفما أشاء، سبباً لإثارة موضوع التسلح النووي، وبالتالي تشكيل ضغط عالمي عليها". من الواضح أن فعنونو لا يريد أن تضيع سنوات سجنه الثماني عشرة بلا طائل، لكن مجرد تواجده لا صوره يشكل ضغطاً هائلاً على الحكومة الإسرائيلية.
نعم تشكل "إسرائيل" خطراً نووياً لا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه، وإثارة الموضوع من جديد تزامنت مع إطلاق سراح الفني الإسرائيلي السابق فعنونو في إبريل أولاً، ثم الزيارة المقتضبة للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي الشهر الحالي. وتصدر الحدثين واجهة الأخبار الغربية قبل العربية من شأنه أن يعزز من قدرة المنظمات المناهضة للأسلحة النووية للضغط على الحكومات الغربية لتضغط بدورها على "إسرائيل" من أجل إخضاع برنامجها للتفتيش والمراقبة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لذا كان موضوع حوار "الوسط" مهماً للقارئ العربي خاصة بعد أن حذر من خطر تشرنوبيل ثانية في حال تصدّع المفاعل النووي الإسرائيلي مما قد يتسبب في تسرّب إشعاعات نووية تهدد الملايين في البلدان العربية، لذا فهو من أخطر المواضيع التي يجب أن تتصدر الأجندة السياسية العربية. ولا نملك إلا أن نؤكد أن تضحية الخبير الإسرائيلي تستحق كل التقدير والاحترام من وسائل الإعلام والشعوب العربية والشعب الإسرائيلي كذلك.
هناك حاجه لتسليط الأضواء على الخطر النووي الإسرائيلي ما أن يتم طرح موضوع البرنامج النووي الإيراني ليس دفاعاً عن الثاني، وإنما تاكيداً لأن موضوع الإرهاب النووي كل لا يتجزأ. الأحلام النووية تشكل خطراً في منطقة من أكثر المناطق في العالم توتراً وتفجراً. ومن على فوهة البركان نطالب العالم بالتضامن لوقف برامج التسلح النووي في الشرق الأوسط ..