لا أفهم ولا أظن أن أحداً على الإطلاق يفهم ما يدور في رأس النظام الرسمي العربي ! بخاصة في تلك الجزئية التي تتعلق برسم السياسات الاستراتيجية للأمن القومي العربي ، كيف يستطيع ذلك الرأس أن ينام ليله قرير العين هانئ الجفن وتحت وسادته مئتا قنبلة نووية يمتلكها نظام معاد شرير مغامر لا يتورع عن استعمالها عند أول غضبة قد يغضبها فيحرق الأخضر واليابس بخاصة وأننا نعيش في عالم لا يهتم بالضعفاء ، عالم منافق لا يحترم إلا الأقوياء ، عالم لا يفهم إلا لغة المصالح مهما تعارضت هذه المصالح مع القوانين الإنسانية ومع الحق والعدل وإلا فما بال هذا العالم يسكت عن جرائم إسرائيل التي يشيب لها الولدان ويندى لها جبين الإنسانية جمعاء ثم يحمّل حماس مسئولية ما حدث في غزة .
( مجتمع دولي منافق مثل هذا يعتبر صواريخ حماس المتواضعة التي تدافع بها عن حياة مليون ونصف من البشر محاصرين في أكبر سجن في العالم دون طعام أو ماء أو وقود أو كهرباء أو أبسط مقومات الحياة الأخرى يعتبرها صواريخ إرهابية في حين يسكت عن أبشع أنواع الأسلحة الإسرائيلية التي تقطـّع أطراف المدنيين الآمنين وتدمر المدارس والمساجد والمنازل بل ومقار الأمم المتحدة نفسها ، مجتمع دولي كهذا ما الذي يمكن أن يكون عليه موقفه لو قامت إسرائيل بضرب المدن المصرية بأسلحة نووية تحت أية ذريعة .
إذاً ( فمجتمع دولي ) كهذا هو في واقع الأمر أقرب الى السيرك الذي تسيطر عليه مجموعة من البهلوانات تقوم بتلوين وجوهها حسب ما تقتضيه أدوارها المرسومة . وأعجب ما في الأمر أنه ورغم النفاق المتبادل بين هذا ( المجتمع الدولي ) وبين إسرائيل ، ورغم سيطرة إسرائيل عليه وانصياعه لأوامرها فإنها هي نفسها لا تثق فيه أبداً ولا تعتمد في أمنها عليه بل تعمد الى تسليح نفسها بأقوى ما في العالم كله من أسلحة الى الدرجة التي أصبح معها حلفاؤها الأوروبيون أنفسهم مهددين بترسانة إسرائيل النووية التي تسهم بشكل غير مباشر في ابتزاز إسرائيل للغرب .
حين هدد صدام حسين ذات يوم ( بحرق نصف إسرائيل ) أقامت إسرائيل الدنيا كلها ولم تقعدها حتى تم القضاء على الجيش العراقي القوي بالكامل في مسرحية من مسرحيات الكوميديا السوداء خارج نطاق الشرعية الدولية وبعيداً عن أي قانون دولي تستند إليه ، بل وحتى تم إعدام صدام حسين نفسه بعد أن جعل الغرب منه مجرماً إرهابياً ، وبعد أن جرّح الغرب في شخص صدام حسين كل إحساس بالكرامة في قلوب العرب والمسلمين بل وقلب العالم الثالث كله .
ولكن إسرائيل تهدد كل يوم على لسان بعض من قادتها بضرب السد العالي في مصر بقنبلة ذرية ، وبضرب غزة نفسها بقنبلة ذرية ، فإذا كان تهديد صدام حسين أدى الى كل تلك المعمعة وهو البعيد عن إسرائيل ، فكيف يسكت العرب على تهديد إسرائيل التي تضع قنابلها الذرية تحت وسادة الأمن القومي العربي النائم ؟؟
إن العجب كل العجب هو في مواقف العرب وعلى رأسهم مصر من هذا التهديد الجنوني النووي الذي تمثله لهم إسرائيل ، تلك الدولة المغامرة التي لا تتورع عن فعل أي شيء انطلاقاً من فوبيا أمنها .
إن العرب جميعاً وعلى رأسهم مصر في أمس الحاجة الى ضمان كبير وقوي يمنع إسرائيل من المغامرة باستخدام سلاحها النووي ذات يوم قد لا يكون بعيداً ، وحيث أن النظام الدولي كله لا يقدم هذا الضمان بل ولا يستطيع أن يقدمه أبداً ، فإن الضمان الحقيقي هو الردع المتبادل ، لأن إسرائيل لن تستطيع أبداً أن تدمر نفسها بحجة الدفاع عن أمنها .
ولما كان العرب عاجزين في الوقت الحاضر عن تحقيق مثل هذا الردع فليس أقل من أن يشجعوا الساعي إلى تحقيقه بدل أن يقفوا في وجهه لصالح إسرائيل . لأن وقوفهم المعارض هذا هو في حقيقة الأمر ضد مصلحة أمنهم القومي ، إذ لا يعقل أن يخافوا من إيران ومن سوريا ومن حزب الله ومن حماس الذين يعملون جميعاً على صناعة ضمانة الردع ولا يخافوا إسرائيل التي هي عدوهم الحقيقي الحالي والمستقبلي بل والوجودي أيضاً .