بالتأكيد ان اسرائيل متمردة على كل النداءات الصادرة من المجتمع الدولي للتوقيع على معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، كما انها لم تقبل ان تخضع مرافقها النووية لنظام الضمانات والتفتيش الشامل للوكالة الدولية للطاقة الذرية، اما الدول العربية المغلوبة على امرها فقد وافقت على حظر انتشار الأسلحة النووية على الرغم من ان اسرائيل لم تفعل ذلك. والسبب وراء تعنت اسرائيل هو الدعم المطلق واللامحدود والتأييد الشامل الذي تحظى به من لدن الغرب وبالاخص الولايات المتحدة الامريكية.
لهذا فإن مصداقية الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومصداقية الدول الكبرى بشأن ضمانات تلك الوكالة وتلك الدول تصبح متواضعة ومشكوكاً فيها وبالتالي فإن الثقة بها تصبح هزيلة ومتواضعة.
نعم ان الثقة تبنى على المصداقية والمصداقية تبنى على العدل، والعدل يقتضي المساواة. لذلك فإن العمل على ايجاد نظام عالمي عادل وغير متحيز وملزم لجميع الدول دون استثناء يمنع انتشار الاسلحة النووية وحيازتها وتصنيعها مصحوب بفرض عقوبات وقيود دولية رادعة على من يخل بذلك النظام كائناً من كان. وفي نفس الوقت يعمل ذلك النظام ويشجع على الاستخدام السلمي للطاقة النووية وان يجعل ذلك حقاً مشروعاً لجميع الدول والشعوب بدون استثناء بشرط خضوع جميع المنشآت النووية للتفتيش والضمانات المعتمدة من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع ضمان المصداقية والعدل.
ان الصراع والظلم والتجبر في اي مكان في العالم يولد التحدي والتحدي يولد التسلح بما في ذلك خيار امتلاك الأسلحة النووية خصوصاً في غياب العدل والمصداقية والثقة. كما ان تبييت النية على العدوان والاغتصاب وممارستهما يحفز الى بناء قوة جبارة لتحقيق تلك الاهداف وهذا هو الحافز الذي دفع ويدفع بالاسرائيليين حتى قبل ان تخلق دولة اسرائيل اي منذ المؤتمر اليهودي في بازل عام (1897) الى العمل من اجل بناء قوة استراتيجية ذاتية تتجدد معالمها وطموحاتها مع كل جديد ومتطور بما في ذلك خيار امتلاك الأسلحة النووية. جنباً الى جنب مع اجهاض كل جهد عربي حتى ولو كان متواضعاً للاستفادة من الطاقة النووية حتى في الامور السلمية. وفي هذا السياق نجد ان امتلاك امريكا للسلاح النووي جاء نتيجة تحديات الحرب العالمية الثانية وامتلاك الاتحاد السوفيتي (سابقاً) لذلك السلاح جاء نتيجة تحدي امتلاك امريكا لذلك السلاح، وهذا العامل والهاجس دفع بدول كثيرة لاخذ زمام المبادرة سواء في ما يتعلق بالدول الاوروبية أو الصين أو الهند أو باكستان أو غيرها ممن اندفع نحو التسلح النووي من اجل ايجاد توازن عسكري رادع.
اما اسرائيل فإنها تبنت مفهوم القوة في بنائها لكيانها فعسكرت مجتمعها وجعلت لمؤسستها العسكرية والاستخباراتية الغلبة في كل شيء. وعملت على تأكيد التفوق العسكري والتقني على العرب مجتمعين، كما تملك مفهوم القوة المرتبط بالفكر السياسي والعسكري لقادة اسرائيل، وهذا المفهوم هو الذي قام عليه بنيان دولة اسرائيل منذ اول يوم وحتى الآن. لذلك عملت اسرائيل على تحقيق القوة الذاتية وضمان التفوق من خلال الاستعانة بالحلفاء الاكبر والاقوى اقتصادياً وعسكرياً ويأتي في مقدمتهم امريكا. فإسرائيل استخدمت القوة في تحقيق جميع طموحاتها وذهبت الى ابعد من ذلك عندما استخدمت القوة لتحقيق مفهوم الدفاع الوقائي. والذي يعمل على اجهاض واستنزاف قدرات الخصم الاستراتيجية وغيرها قبل ان تتبلور هذا بالاضافة الى ان اسرائيل تسعى من خلال القوة الى فرض الارادة والهيمنة وذلك من خلال شن ضربات ضد اعمال أو اجراءات تعدها اسرائيل عدائية حتى لو كانت في طور الاعداد والبناء ومن الشواهد على ذلك ضرب المفاعل الذري العراقي عام 1981. وفي ضوء ذلك العدوان المستمر على الامة العربية اصبح شغل اسرائيل الشاغل هو امتلاك الخيار النووي كعنصر ردع، وهذه العوامل مدعومة بالدعم الامريكي اللامحدود هو الذي جعل اسرائيل تتبجح ولا تنصاع لاي معاهدة حتى وان وقعت عليها لكسب الوقت، ومن ذلك اتفاقيات اوسلو ومدريد وشرم الشيخ وغيرها مما لا يمكن حصره أو تعداده، لذلك فإن تفرد اسرائيل بالقوة واختلال ميزان القوى في المنطقة لصالح اسرائيل هو الذي حدا بالاسرائيليين الى عدم قبول الصلح والاستمرار بالتوسع والعدوان والتصرف من جانب واحد.
نعم لقد عملت اسرائيل على احاطة برنامجها النووي بالتكتم والتعتيم وعدم الاعتراف بامتلاك اسلحة نووية وعدم نفي ذلك ايضاً. على العكس من الدول العربية الذين اذا امتلكوا مفرقعة أو اشتروا معدة لم يصنعوها ملؤوا الدنيا صراخاً ومفاخرة على انجاز لم يحققوه ابتداء من صواريخ القاهر والظافر وانتهاء بصواريخ صدام حسين الذي اساء استخدامها حيث اعمت بصره وبصيرته.