العالم كله الآن، تقريباً، يطالب بالرقابة والإشراف الدولى المتساوى على كل الدول التى تمتلك القدرة النووية.. والرئيس الأمريكى، باراك أوباما، أخذ على عاتقه مهمة إخلاء أو على الأقل تخفيض مستوى التسلح النووى فى العالم.. ولذلك على إسرائيل أن تستعد من الآن للحظة التى ستضطر فيها لفتح أبواب مفاعلها النووى سواء فى ديمونه أو ناحال سوريك، أمام لجان التفتيش والرقابة الدولية.
فى هذا المعنى، كتب الصحفى والمحلل الإسرائيلى يوسى ميلمان مقالاً مهماً فى صحيفة (هآرتس) قال فيه: يجب على الإسرائيليين أن يقلقوا، فليست إيران وحدها أو مصر أو ليبيا هى التى تطالب إسرائيل بالتخلى عن أسلحتها النووية، أو على الأقل تطالب بفرض الرقابة الدولية على منشآتها النووية، ففى الفترة الأخيرة: انضم لهذا المطلب أيضاً رئيس الوزراء التركى، رجب طيب أردوغان، كما أن نفس المطلب يلاقى الآن قوة دفع كبيرة، ويحظى بالإنصات أكثر وأكثر حتى فى الدول الغربية الصديقة لإسرائيل.
وقد جاء هذا الطلب على خلفية الجهود التى تقوم بها الجماعة الدولية للحيلولة دون امتلاك إيران للسلاح النووى، وهو ما دعا الكثيرين فى العالم الآن للتساؤل: لماذا منع السلاح النووى عن إيران، فى حين أن نفس السلاح موجود -وفقاً لتقارير الصحافة الغربية- فى أيدى إسرائيل؟.
وإسرائيل فى كثير من الأحيان ومن خلال تصريحات مسئوليها وما تنشره، هى التى تثير قلق العالم من هذه القضية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، أذاعت القناة الأولى فى التليفزيون الإسرائيلى بتاريخ 24/3/1996 تقريراً ليارين كيمور فى برنامج (رؤية أخرى) حول تلوث بيئى بسبب المفاعل النووى فى ديمونة، الأمر الذى أقلق مصر وجعلها تحذر من كارثة بيئية إقليمية وتطالب بإشراف نووى على المنشآت النووية الإسرائيلية.
مشكلة المعاهدة
ويضيف ميلمان وهو متخصص فى شئون السلاح والمخابرات: مرة أخرى، تم طرح الفكرة القديمة الداعية لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى- أى أنه على إسرائيل أن تتخلى عن مثل هذا السلاح، فى حال امتلاكها له.
ويقول الصحفى والمحلل الإسرائيلى إن إسرائيل لا تعارض هذا من حيث المبدأ وفى النهاية، سوف يدور النقاش حول التخلى عن كافة أسلحة الدمار الشامل وليس السلاح النووى فقط، ومع ذلك، يوجد فى إسرائيل خبراء يوافقون- حتى وإن لم يعترفوا بذلك فى العلن- على أنه يوجد منطق معين فى هذا المطلب.
كما أنهم فى لجنة الطاقة الذرية الإسرائيلية، وهى اللجنة المسئولة عن تنفيذ السياسة النووية فى إسرائيل والتى تقوم بتشكيلها وصياغتها فى الواقع، على علم تام بهذه المطالب تجاه إسرائيل.
ومن الناحية الرسمية يمكننا أن نوضح لماذا يطلبون ما يطلبون من إيران ولايطالبون إسرائيل بنفس الشىء، فإيران موقعة على معاهدة منع انتشار السلاح النووى (NPT) وإسرائيل غير موقعة، وبمقتضى هذه المعاهدة توجد لإيران اتفاقيات خاصة بالرقابة مع وكالة الطاقة الذرية (IAEA)، تلتزم إيران بموجبها بالتزامات كثيرة.
وقد تبين خلال السنوات السبع الأخيرة أن إيران تخالف التزاماتها هذه فقد حاولت إخفاء حقيقة أنها أقامت منشآت لتخصيب اليورانيوم فى ناتنز وفى قُم، وأنها تبنى مفاعلاً لاستخلاص البلوتونيوم فى أراك، وأنها قامت فى السر بشراء أنظمة لتخصيب اليورانيوم، وتقوم بمنع وكالة الطاقة الذرية من الإشراف على بعض منشآتها، ومن الواضح أن مثل هذا التصرف يضعها فى دائرة الاتهام بأن لديها ما تخفيه.
صحيح أن معاهدة منع انتشار السلاح النووى تخلق حالة مثيرة للمشاكل فالدول الموقعة عليها مضطرة لوضع منشآتها النووية تحت إشراف ورقابة وكالة الطاقة الذرية، والدول غير الموقعة مثل إسرائيل وباكستان والهند، غير خاضعة للإشراف والرقابة، هذا هو الواقع السياسى والقانونى الذى تبنَّته الجماعة الدولية منذ دخول المعاهدة حيز التنفيذ فى عام 1970.
معاهدة جديدة
الشعور بالظلم وعدم المساواة وهو الاحساس الذى يرافق هذه المعاهدة، ينتشر بين دول كثيرة فى العالم، وإدراك أن شيئا ما غير سليم فى نظام السلاح النووى فى العالم بدأ يتسرب أيضاً للدول العظمى النووية.
ومن هنا كانت المحاولة التى جرت منذ ما يقرب من عشرين عاماً لتغيير هذا الوضع.
حيث تبلورت فكرة إنشاء معاهدة جديدة تحمل اسم Fissile Material Cut Off Treaty والمعروفة اختصاراً بـ FMCT والتى تعنى معاهدة تجميد المواد القابلة للانشطار.
وقد استهدفت هذه المبادرة تخفيض السلاح النووى فى العالم ومنع انتاج المواد القابلة للانشطار، والمقصود بالطبع هو اليورانيوم المخصب بدرجة تخصيب عالية، والبلوتونيوم،وهما المادتان اللتان يمكنهما تصنيع السلاح النووى.
وهذه الفكرة تعنى (تصوير حالة) بمعنى أن كل دولة تمتلك هذه المواد عليها أن تقوم بما يشبه الجرد لمحتويات مخازنها وتعلن عنها، هكذا وعلى سبيل المثال، إذا كانت إسرائيل تمتلك -وفقاً لتقارير الصحافة الغربية- ما يقرب من 200 رأس نووية، وإذا كانت هذه الأسلحة قائمة على البلوتونيوم أو اليورانيوم، فعليها أن تعلن أن احتياطيها مكون من كذا ألف كيلو جرام من هذه المادة أو تلك.
ولدفع هذه الفكرة قدماً، أقيم فى جنيف بسويسرا (مؤتمر إخلاء السلاح النووى) المعروف باسم CD والذى يضم اليوم بين اعضائه 60 دولة من بينها إسرائيل التى أعلنت أنها تؤيد هذه المبادرة.
وكانت هذه المبادرة قد حظيت بالدعم الكامل فى فترة إدارة بيل كلينتون ، لكن بعض الدول آنذاك، ومن بينها مصر، طالبت بوجود مراقبين لتنفيذ هذه المعاهدة مثلها فى ذلك مثل وكالة الطاقة الذرية.
لكن الهند وباكستان وإسرائيل وبعض الدول الأخرى تعارض الفكرة بحجة أن هذا الأمر سوف يمس أمنها القومى، فعلى سبيل المثال، يقولون فى إسرائيل إن هؤلاء المراقبين سوف يمكنهم أن يطلبوا دخول قواعد المخابرات العسكرية (أمان) أو مقار المخابرات الإسرائيلية (موساد)، بدعوى أنهم يشكون فى وجود مواد قابلة للانشطار فى هذه الأماكن.
وعلى أية حال، بمجرد وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض ، أعلن أنه يعارض فكرة الإشراف والرقابة.. وتجمدت المباحثات فى واقع الأمر.
لكن الآن، يوجد فى البيت الأبيض رئيس جديد -باراك أوباما- حمل على عاتقه فكرة إخلاء العالم من السلاح النووى أو على الأقل تخفيضه .. وفى مايو الماضى تم عقد مؤتمر إخلاء السلاح CD وأوضح ممثل الولايات المتحدة أن الرئيس الأمريكى يطالب بدفع هذه الفكرة قدماً.