لم يمط خبير الذرة الإسرائيلي (مردخاي فعنونو) اللثام عن سر خطير عندما قال إثر اقتياده إلى إحدى المحاكم الإسرائيلية:
إن السلطات الإسرائيلية تواصل رفضها الاعتراف بامتلاكها القنبلة النووية لأن العالم كله يعرف أن المخازن الإسرائيلية تخبىء عدداً ضخماً من القنابل النووية، وأن سلاحها النووي سيبقى أداة لتهديد الأمة العربية حاضراً ومستقبلاً وإن رفضت الاعتراف ضمناً بامتلاك هذا السلاح المدمر.
لكن خبر اقتياد فعنونو للمحاكمة خبر جدير بالوقوف عنده طويلاً لأن تحليل ما بين سطوره يكشف عن أمور تفوق الخبر خطورة وهي تستحق إلقاء نظرة عميقة تحليلية عليها لأنها تقود إلى منظومة شديدة التعقيد من الحقائق.
حبذا لو لاحظنا بادىء ذي بدء أن فعنونو اعتقل من أحد فنادق القدس الشرقية بعد لقائه بروفيسورة نرويجية، فالرجل كان مطمئناً إلى أنه يملك فسحة لا بأس بها من الحرية وهذه الفسحة جعلته يظن أنه يستطيع ممارسة حياته على نحو طبيعي، لكن الرجل عاثر الحظ نسي طبيعة الغدر المتأصلة في الكيان الصهيوني والجارية في عروق كل ساسته وقادته ورجال أمنه واستخباراته، فلم يشعر إلا وعناصر الشرطة تقتاده إلى المحكمة ولأنه يعرف أنه لن يحاكم محاكمة عادلة وذاكرته لن تنسى كيف قذف به في السجن من قبل مدة ثمانية عشر عاماً بعد أن وجهت إليه تهمة إفشاء الأسرار النووية المتعلقة بالكيان الصهيوني فقد خلع رداء الخوف إذ لم يبق لديه ما يخاف عليه وقال كلمة الحق معلناً أن الصهاينة يملكون كماً كبيراً من الرؤوس النووية وهذا الكم كاف لجعل منطقة الشرق الأوسط وفق التسمية الإسرائيلية تنام وتفيق على صفيح ساخن من التوتر القلق والاضطراب.
ولا بأس من أن نلاحظ أن وزن الرجل العلمي لم يشفع له عند أصحاب القرار في الكيان الإرهابي فألقوه في غياهب السجون تلك المدة الطويلة وليس لديهم من مانع لإلقائه فترة أخرى لا نعلم كم تمتد هذه المرة، وهذا يعني أن كل ذي موهبة في إسرائيل هو في خاتمة المطاف حطب في نار التفكير الاجرامي الإسرائيلي الذي يسخر كل شيء لمصلحة فئة باغية تريد أن تهيمن على كل شيء في هذا العالم.
وندرك من اقتياد فعنونو للمحاكمة من جديد عدد الخطوط الحمراء الكثيرة في إسرائيل وهي خطوط تتكاثر سرطانياً وقابلة للنمو كل ساعة لأن القابلة المشرفة على حملها وولادتها تدعى (الأمن القومي لإسرائيل).
هذا الأمن هو الذي جعل قادة الإرهاب الصهيوني يتخذون قرارهم بسجن فعنونو ثمانية عشر عاماً وكان ذنبه الذي لا يغتفر في نظرهم أنه زود صحيفة بريطانية بصور التقطها سراً من داخل مفاعل ديمونة النووي وكانت الطريقة التي أعيد فيها إلى إسرائيل طريقة إسرائيلية عريقة خالصة لأن الرجل اختطف من قبل الموساد في ايطاليا وبعد الإفراج عنه عام 2004 ظل ممنوعاً من السفر إلى الخارج لأن لديه المزيد من التفاصيل التي يمكن أن يكشف النقاب عنها فيما يتعلق بمفاعل ديمونة.
الآن وقد عرف العالم أن لدى إسرائيل مخزوناً نووياً يصل إلى نحو مئتي رأس نووي وربما تجاوز هذا العدد ويرى أن إسرائيل تلوح سراً وعلانية بمهاجمة إيران لمنعها من امتلاك السلاح النووي مع أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أكدت أن برنامج إيران النووي مخصص للأغراض السلمية، ولم تجد في كل ما قامت به من جولات تفتيشية ما يثير الريبة، فما على العالم إلا التعامل مع إسرائيل ككيان إرهابي لم يعد قادراً على خداع العالم، كيان قائم على الاغتصاب والقتل والتشريد، يخزن السلاح النووي ليهدد به منطقة من أكثر المناطق سخونة في العالم مستفيداً من دعم أميركي مطلق، وانطلاقاً من هذا الدعم يشن الحروب ويهدد ويتوعد وعلى العالم أن يعرف أن المنطقة لن تعرف الاستقرار مالم تجبر دول العالم الكيان الصهيوني على الاعتراف بالقرارات الصادرة عن المنظمة الدولية، تلك القرارات التي تؤكد وجوب قيام دولة فلسطين على التراب الوطني الفلسطيني وعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي أخرجوا منه، وعلى العالم الضغط على إسرائيل لتسمح بالكشف عما تملك من سلاح نووي موجه إلى العرب أولاً وأخيراً ولا يعرف أحد حجم الدمار الذي سيلحق بالعالم كله إذا خرج هذا السلاح من قمقمه وستكون إسرائيل أكثر الدول المتضررة من آثار هذا السلاح الفتاك.
على العالم أن يجبر إسرائيل على نزع السلاح النووي الذي تمتلكه وآن الأوان ليستريح العالم والمنطقة من الصداع الطويل الذي سببه هذا السلاح.