لكي لا يكون المتهم هو الحكم، نعلن تحفظنا المبدئي على نتائج لجنة التحقيق في قضية القتل الجماعي في "تسونامي" جدة: لأنه لا يمكن لأجهزة حكومية برئاسة أمير المنطقة التي وقعت فيها المشكلة أن تتوصل إلى قرار مستقل؟
لا نتحدث عن أمير محدد، ولا عن قضايا شخصية تتعلق بفرد معين، ولكن نتحدث عن قضايا عامة.
1= لقد أضحت ثقافة الفساد في بلادنا هي الصفة السائدة، فلقد أصبحت بيئة العمل في الوزارات والمصالح الحكومية طاردة للموظف النزيه، وجاذبة للعناصر الفاسدة، التي لديها الاستعداد للانخراط في عمل عصابات نهب المال العام، لكن القاسم المشترك في هيكلة مافيا المال العام هو وجود أحد الأمراء الذي يحمي أفراد العصابة، ويقدم لهم الدعم اللوجستي، وهو المستفيد الأول من الغنائم.
أسهم في هذا الوضع المحموم سيطرة الأمراء على المناصب العليا فيما يسمى وزارات السيادة وإمارات المناطق، بل وأمتد نفوذهم مؤخراً ليشمل العديد من الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى التي كان-إلى وقت قريب-يشغلها مواطنون، مثل وزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة التربية والتعليم وجمعية الهلال الأحمر والهيئة الوطنية لحماية الحياة الفطرية وبعض المحافظات.
لكن حتى الوزارات الأخرى التي يرأس هيكلها الإداري أحد المواطنين، تجد أحد الأمراء في المناصب القيادية يدير شبكات الفساد لأن صلاحياته مطلقة وليس عرضة للمراقبة والمحاسبة، لذا نجد أن ذلك الأمير يحرص كل الحرص على توقيع العقود الدسمة، ويحتكر مشاريع المقاولات لشركات معينة هو المالك الفعلي لها، في تضارب صارخ في المصالح.
2= أصبح توارث المناصب في الدولة صفة سائدة، فأسماء الموظفين تتكرر في وزارات معينة، والوزارات يشغلها موظفون وفقاً للمناطق أو العائلات أو القبائل، وبالتالي يصبح المعيار مختلاً حيث لا يعتمد على الكفاءة والنزاهة والجد والأمانة، ولكن على القرابة والولاء، ومدى الاستعداد لتنفيذ رغبات ولي النعمة التي تعني التنازل عن الأمانة، وتقتضي في كثير من الأحيان التضحية بالذمة والضمير. بل إن الأمر المهم بالنسبة لمدير شبكة الفساد هو استعداد هؤلاء المرتزقة للتضحية بسمعتهم وحرياتهم لأجل التغطية على زعيم العصابة، هذه الصفة السائدة في الغالبية العظمى من كبار موظفي الدولة المقربين من صانع القرار الفاسد.
3= ألا يحق لنا إذن أن نحكم أن هذا الجو الموبوء كفيل بطمس الحقيقة وتضييع الحقوق وتضليل العدالة، ناهيك عن كون أمير المنطقة رئيس للجنة، ذا صلاحيات غير متناهية، و هو في دائرة المسئولية،فكيف يحقق في مخالفات إدارية في منطقة هو أميرها ويتولى جميع مقاليد الأمور فيها، وأي مسئول بهذه الكيفية، على تضليل العدالة أقدر.
4= ألا يحتمل أن يكون الأمير نفسه مقصراً؟ فمساءلة كبار المسئولين؛تتطلب إبعادهم عن إدارة التحقيق، وذلك هو أول مؤشر في طريق الإنصاف والعدالة، ونخبركم من الآن-إذا كان التحقيق بهذا المسار- أنهم سوف يضحون بكبش فداء ليبقى كبار الفاسدين، ويستمر مسلسل الكوارث، حتى ترتفع الأصوات مرة أخرى مع وقوع كارثة جديدة. إن تشكيل لجان التحقيق من أجهزة حكومية وبرئاسة أمير المنطقة، الذي هو في دائرة المسئولية، لن يوصل للمذنب الحقيقي الذي تسبب في القتل الجماعي للمواطنين، من أجل ذلك نطالب بأن تكون لجنة تقصي الحقائق من شخصيات خارج الإطار الرسمي قادرة على استجواب كافة المسئولين بما فيهم الأمراء.